تعد مدينة "مصدر" ، التي تبلغ مساحتها 6 كلم2 تقريبًا، أكثر مدن العالم استدامةً، فهي مجمّع عالمي صاعد للتقنيات النظيفة سيتيح للشركات التي تتخذها مقراً لها أن تكون قريبة من مركز تطوير قطاع الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة. وتقع "مصدر " على بعد 17 كلم من وسط مدينة أبوظبي، وتشجّع النقل بوسائل السير على الأقدام أو ركوب الدراجات الهوائية، وتشكل منصة لاستعراض طاقة المستقبل المتجدّدة والتقنيات النظيفة وإجراء البحوث عليها وتطويرها واختبارها وتطبيقها وتسويقها.
ستحتضن المدينة 40 ألف نسمة ومئات الشركات وستوفر منصة تجمع تحت مظلتها كافة مراحل تطوير الطاقة المتجدّدة والتقنيات المستدامة في مجمع متكامل للسكن والعمل. وكغيرها من المجمّعات التقنية الحيوية، تمتلك المدينة جامعة أبحاث من الدرجة الأولى وتعد مصدراً للابتكار والتقنيات والتطوير والأبحاث والخرّيجين بمهارات عالية. "فمعهد مصدر" ، الّذي تمّ تطويره بالتعاون مع "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "، بدأ عمله في مدينة مصدر وطلاّبه هم أول سكان المدينة. ومن بين أهم الشركاء، نذكر مركز "جنرال إلكتريك للإبداع البيئي "، و "باسف "، ومركز" شنايدر" للأبحاث والتطوير، وجمعية القرية السويسرية، ومنظمة "تكنوبارك" الكورية" والوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة "آيرينا "، وطبعًا شركة "مصدر" نفسها.
"مدينة مصدر" مشروع التنمية المستدامة الأكثر طموحاً على مستوى العالم في يومنا هذا، إذ ستكون أول مدينة في العالم خالية تماماً من إنبعاثات الكربون والنفايات الناتجة عن احتراق الوقود، وتعتمد بالكامل على مصادر الطاقة المتجددة.
وكونها جزءا من "مبادرة مصدر" التي تجسد الالتزام الاستراتيجي طويل الأمد لحكومة أبوظبي بتسريع وتيرة عملية تطوير ونشر حلول طاقة المستقبل، سترتقي "مدينة مصدر" بالتنمية والعيش المستدامين إلى مستويات أرفع، وتساعد العالم في فهم كيفية بناء مدن المستقبل. وتعد "مدينة مصدر"، مجمعاً للتكنولوجيا النظيفة نجح في استقطاب أفضل ما يجود به العالم في جميع جوانب التنمية المستدامة، ابتداءً من الطاقة المتجددة وانتهاء بالوقود الحيوي. وستحتضن المدينة المنتظرة شركات متنوعة التخصصات، ومبتكرين، وممولي المشاريع، ومزودي خدمات البحث والتطوير، ورواد الأعمال، ومزودي الحلول، بحيث يشكلون جزءاً من الرحلة الطموحة لبناء "مدينة مصدر" والعمل والعيش فيها.
وسيتم بناء "مدينة مصدر" على مدى 7 سنوات باستثمارات تتجاوز 20مليار دولار أمريكي. ويجمع المخطط الرئيسي للمدينة خبرة قرن من الزمن في مجال التخطيط العمراني وفن العمارة العربيين مع أحدث المبتكرات التقنية لإيجاد بيئة حياة مستدامة عالية الجودة لجميع سكان المدينة. وسيتم بناء المدينة على سبع مراحل مدروسة بعناية، باستخدام أحدث التقنيات التي تم التوصل إليها في مجمع الصناعات النظيفة المتطورة الذي تضمه المدينة نفسها، والعالم. وتعكس المباني الأولى التي يجري العمل على إنشائها حالياً قدرة "مصدر" العالية على الابتكار، حيث سيتم تزويد مقر "مصدر" الرئيسي بالطاقة اللازمة للأعمال الإنشائية باستخدام مجموعة من الألواح الكهروضوئية المتوضعة على سطحه الذي سيجري تشييده قبل بقية أجزاء المبنى، في سابقة هي الأولى على مستوى العالم.
تحتل "مدينة مصدر" موقعاً استراتيجياً، حيث تتوسط البنية التحتية لمواصلات مدينة أبوظبي، وسيتم ربطها بالمجمعات السكنية المحيطة بها ومع وسط مدينة أبوظبي ومطار أبوظبي الدولي، بشبكة حيوية من الطرق الحالية وسكة قطار ومسارات جديدة للمواصلات العامة. وستكون المدينة خالية من السيارات وتحتوي فقط على ممرات المشاة، والتي لا يبعد الواحد منها أكثر من 200 متر عن أقرب محطة للمواصلات أو المرافق العامة. ومن شأن شبكة الطرق هذه أن تشجع سكان وزوار المدينة على المشي، وتثري الحياة الاجتماعية، علماً أنه يوجد أيضاً نظام سريع ومبتكر من وسائل النقل الشخصي السريع.
وستتضمن الخدمات العامة تزويد الطاقة، وتبريد مناطق، ومرافق المياه (مياه الشرب، والمياه الآسنة، والمياه المكررة ، ومياه الأمطار)، والاتصالات، وإدارة النفايات.
وستضم مشاريع دعم البنية التحتية في المدينة تخطيط وإنشاء الحدائق، والساحات العامة، ومناطق الترفيه، والممرات، والجسور، والأنفاق، وخدمات تقنية المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى إدارة تطوير المشاريع. ولتحقيق مسعاها الطموح، فإن "مصدر" تحرص على استقطاب أفضل المفكرين والشركات من خلال الشراكة المتبادلة والتي تعود بالفائدة على الطرفين.
وأكد اللورد نورمان فوستر المهندس المعماري العالمي الذي أسهم في تصميم “مدينة مصدر” أن التعديلات الأخيرة التي تم إدخالها على تصاميم المدينة جاءت بهدف مواكبة التطورات التكنولوجية، موضحا أنه لا مفر من تطوير التصاميم نظرا لطول مدة تنفيد المشروع.
وقال فوستر إن التصاميم الأولية كانت تهدف للحصول على المياه عبر تحلية المياه المالحة، ولكن تبين أن تكلفة التحلية مرتفعة، وهو ما استوجب البحث عن البديل الأوفر، كما أثبتت ظروف البيئة الخليجية ضرورة تعديل طريقة الاعتماد على الألواح الكهروضوئية”.
وقال فوستر لـ”الاتحاد” إن المرونة في تنفيد المشروع ضرورية لمواكبة التطورات التكنولوجية المتلاحقة، مؤكدا أهمية الاستفادة من الخبرات التي تم اكتسابها أثناء عملية التنفيذ خلال العامين الماضيين.
وأوضح فوستر أن مدينة “مصدر” تعد الأولى من نوعها بالعالم، وبالتالي فإنه لا توجد نماذج سابقة يمكن الاستفادة منها في تنفيد المدينة، بل إن “مصدر” ستكون هي النموذج العالمي الذي يتعلم منه الآخرون عند محاولة تنفيذ محاولات مثيلة مستقبلا.
وأشار فوستر إلى أهمية التكيف مع البيئة والظروف المتغيرة، موضحا أن العمل بالمشروع بدأ منذ عام 2006، ويمتد لعام 2020، وهي فترة طويلة تقتضي المراجعة المستمرة لتصاميم المدينة. وأكد فوستر أن إنجاز مشروع مدينة “مصدر” يجب النظر إليه باعتباره مشروعا طويل المدى، وهو ما يعني ضرورة الاستفادة والتعلم من كل مرحلة يتم إنجازها، موضحا أن تعديل التصاميم لا يعني مطلقا تأخير الإنجاز، ولكن من الطبيعي أن تشهد هذه المدة الطويلة للتنفيذ تباطؤ في بعض الأوقات ونشاط بأوقات أخرى، إلا أنه في كلتا الحالات لايمكن النظر للمشروع إلا نظرة شمولية بعيدة المدى.
وأوضح فوستر أن بدء العمل في المرحلة الثانية من الحرم الجامعي لمعهد مصدر مؤخرا، يؤكد عدم وجود أي معوقات بتنفيذ المشروع، موضحا أن المساحة المبنية بالمرحلة الثانية تبلغ 82 ألف متر مربع، مما يجعلها أكبر من المرحلة الأولى بنحو 35%، ويتوقع إنجازها خلال عامين.
وذكر فوستر أن المرحلة الثانية ستضم 7 مختبرات مفتوحة، وقاعة متعددة الاستخدامات للمؤتمرات والمحاضرات، ونادياً رياضياً، وبركة سباحة، إضافة إلى سكن لما يزيد على 200 من الطلاب.
وأضاف أن المرحلة الثانية من تشييد حرمه الجامعي والتي تعتمد نفس المعايير بالنسبة للتصميم والكفاءة في استخدام الطاقة، وذلك من خلال عناصر مثل الطرقات المظللة والتهوية الطبيعية والواجهات العاكسة للحرارة، وغيرها من المزايا التي تجعل من مقرّ المعهد أحد المباني الفريدة على مستوى العالم من حيث الجوانب البيئية والتقنية والعمرانية.
وعند إنجاز المرحلة الثانية، سيقدم المعهد الخدمات التعليمية لما يزيد على 600 طالب فيمرحلة الدراسات العليا، وسيضم العديد من التسهيلات المتطورة، بما فيها 9 مختبرات مفتوحة، وغرفتين “نظيفتين” لأغراض الاختبارات، و13 مختبراً مرتفعة الأسقف، وقاعة محاضرات تستوعب 90 شخصاً، و12 قاعة للتدريس، إضافة إلى وحدات سكنية تستوعب 324 طالباً.
فن معماري
أوضح فوستر أن الشركة اعتمدت في التصميم على بعض فنون العمارة التقليدية والتاريخية لدولة الإمارات ومنطقة الخليج والتي تتناسب مع البيئة العربية.
وأضاف “على سبيل المثال فإن البرج الهوائي الذي تم إنشاءه بوسط الحرم الجامعي لمدينةمصدر، والذي يتولى استقطاب الرياح والهواء لتوزيعه بجميع أنحاء المعهد، تم استوحاء فكرته من الفن المعماري العربي”.
وأوضح أن تصميم المعهد اعتمد أيضا على الممرات الضيقة والفتحات التي تسمح بدخول الهواء، وهو ما يشبه نظام “المشربية” في التراث العربي المعماري.
ويشكل “معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا” بمرحلتيه الأولى والثانية أحد أبرز أجزاء المرحلة الأولى من “مدينة مصدر”، والتي ستضم أيضاً المقر الإقليمي في الشرق الأوسط لشركة “سيمنز” الألمانية، ومركز “جنرال إلكتريك” للإبداع البيئي.
ويقلُّ استهلاك مباني المعهد من المياه بنحو 54% عن المعدل العام لاستهلاك المباني المشابهة من حيث الحجم في دولة الإمارات، بينما يخفض استهلاكه من الكهرباء بنسبة 51%، علماً بأنه يستمد حاجته من الكهرباء بالكامل من الطاقة الشمسية.
وأثناء تشييد المباني، تم استخدام مزيج من الخرسانة الإسمنتية بحيث تتسبب بأقل قدر ممكن من الانبعاثات الكربونية، كما جلبت الأخشاب المستخدمة في تشييد المبنى من غابات تجري إدارتها وفقاً لأرقى المعايير البيئية، حيث تركز “مصدر” على استخدام مواد صديقة للبيئة وإعادة تدوير الفائض منها لتحقيق الفائدة القصوى.
شارك هذه التدوينة :
|
|
Tweet |
أترك تعليقك بإستخدام الفيسبوك:
أترك تعليقك بإستخدام بلوجر:
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق